يعد هنري ادامز أول من تحدث عن النمذجة العلمية ونمذجة الإبداع التكنولوجي. ويرى العالم هنـري أن النهضة العلمية التكنولوجية الحديثة انطلقت من استبدال تفسير ظاهرة بفكرة إلى وصفها بواقعه.كما يُعتبر العالم لنز من السبّاقين إلى وضع نماذج التقدم التكنولوجي.
وللنموذج دور حاسم في التقريب فهو يهدي صانع القرار ولا يتحكم فيه أي أن القرارات تتخذ في ضوء النماذج وتتناول سلوك المقررين وتفضيلاتهم ومجازفاتهم وصياغة اختياراتهم وعقلانياتهم، كما أنها تسمح بتمحيص منطق المقرر وتفضيلاته وتبرير اختياراته وتقديم نموذج للتقرير وهذا ما يسمى بالنمذجة التقريرية. وأقرب الأمثلة على النمذجة التقريرية النموذج الإنمائي الذي وضع عام 1960م بمدينة شيكاغو وهذا النموذج خاص بمرونة خدمات النقل والتي أسفرت الدراسة فيه عن اقتراح لنموذج جديد للنقل سمي (منظم النقل الشخصاني) والذي يقصد به شبكة آلية من السكة الحديدية، و كنموذج آخر السيارة الكهربائية والتي تتحرك بسرعة 100 km/hr دون توقف في محطات بينية. وأيضاً النماذج المستقبلية للطاقة والتي نشأت من الحظر العربي للبترول عام 1973م. ولقد كان لعلماء الاقتصاد دور كبير في وضع هذه النماذج المستقبلية وأول نموذج على ذلك وضعه عالم الاقتصاد كسني (Kasni) في جدول ظهر كصورة في حركة الإنتاج والتوزيع واستهلاك الثروات، ثم جرى التحول من جدول كسني إلى التصور الحديث للنموذج بالاعتماد على علوم الرياضيات والإحصاء وباختيار متغيرات معينة من مجموعة عوامل تساهم في الإنتاج وفي توزيع السلع.
وأول من وضع نماذج وفق التصور الحديث للنموذج هو ليونيتف (Liwnitf) والذي أصبح نموذجه قاعدة للمحاسبة الوطنية.
وبالإضافة إلى النمذجة الاجتماعية والسياسية والرياضية هناك نوع آخر من النمذجة وهو النمذجة الاستطلاعية الدراسية والتي تنطلق من مجموعة افتراضات تـُعطي صور مبسطة ومخططة للواقع. وغاية هذا النوع من النمذجة هو البحث لا التنبؤ ولكنه يفتح طريق التنبؤ أمام الباحث إذا استطاع أن يُبرهن بالوقائع والمقارنات التي انطلق منها وأن يصوغ منها نظرية قابلة للتكرار. ويلجأ الباحثون إلى النمذجة في تصنيع أشباه الموصلات حيث يحيط بعمليات تصنيع أجهزة أشباه الموصلات الكثير من الصعوبات والمشاكل لأنها تحتاج لمستوى عالٍٍ من المهارات العلمية، والدقة العالية وإلى تخزين وصيانة جيدة حتى تكون في حالة استعداد دائم للعمل لأن القاعدة الأساسية والتي يجب أن يتبعها كل مصمم هي “الوصول إلى أعلى أداء بأقل قدر من المهارة والمجهود العضلي”. كما أن إجراء التجارب والـدراسات على أجهـزة أشباه الموصلات المعدة بالطرق التقليدية مكلفة جداً وتستهلك الكثير من الوقت والجهد في إعداد العينات وكذلك في دراسة النتائج وتفسيرها.
أسباب استخدام النمذجة الرياضية
الاتجاه إلى استخدام النمذجة يرجع للأسباب الآتية :
- قلة التكلفة.
- سهولة التنفيذ ودقة الأداء.
- وفرة الجهد والوقت.
- المرونة.
- إمكانية تطبيق النمذجة على مدى واسع من مجالات الحياة المختلفة، وذلك ابتداءً من نموذج الطائرة الذي صمم في الحرب العالمية الثانية إلى النموذج الإنمائي الذي وضع عام 1960م والخاص بمرونة خدمات النقل(36) ومروراً بنموذج الخريطة من حيث أنها تجريد للواقع الجغرافي أو المكاني ونموذج البيوت الزجاجية الخاصة باستنبات نباتات في غير بيئتها الاعتيادية إلى نموذج الكلية الصناعية والقلب في الإنسان. كما تطبق عمليات النمذجة في تصميم أجهزة أشباه الموصلات وذلك من خلال التنبؤ بشكل توزيع الشوائب ومن ثم التحكم في موضع إضافة الشوائب(37). كل هذه الاستخدامات المختلفة تدل على أهمية عملية النمذجة، ولذا فإننا سنتناول في هذا الفصل هذه العملية بشيءٍ من التفصيل من حيث نشأة هذه العملية وكيف تطورت إلى أن توصلنا إلى التصور الحديث للنموذج ثم نتطرق لتعريفات مختلفة لمصطلح عملية النمذجة و النموذج وأنواع النماذج ثم نتحدث عن عملية المحاكاة من حيث مفهومها، مميزاتها، محدداتها، والطرق الأساسية للمحاكاة وعلاقة عملية النمذجة بالمحاكاة وأخيراً أساسيات النمذجة للمحاكاة.
تعريف النمذجة الرياضية
تعرف النمذجة بأنها عبارة عن خطوات متتالية لبناء نموذج يتناول الواقع وتترجم أجزاءه في متغيرات ومعادلات تربط بينها علاقات معينة.
ويرى الباحث الأمريكي راسل راي (Rassyl Ray) أن النمذجة تتراوح بين النمذجة التحليلية والنمذجة التركيبية. ويقصد بالنمذجة التركيبية الوصول للنموذج الكلي باستخدام العديد من النماذج الجزئية أو المصغرة، أما النمذجة التحليلية فالعكس حيث يتم التوصل إلى نماذج جزئية من النموذج الكلي. كما يصف العالم الأمريكي كلير (Klir) الصعوبة التي يواجهها صانع النموذج بأنها تتمثل في تقبله للواقع المراد نمذجته وإعادة بناؤه بناءً رياضياً ومنطقياً. لذلك الهدف الحقيقي من النمذجة هو تجريد تبسيطي للواقع، هذا التجريد يساعد على حل مشكلة معينة.