اتجاهات حديثة في الرياضيات

لاشك في أن لا شيء يعادل الرياضيات فهي بتركيبها الدقيق غنية بصورة لا تضاهيها أي مادة في دقتها وقوة منطقها وشدة تناسقها، والنظرية المبرهنة رياضيا تكون بمثابة يقين عقلي مطلق بصرف النظر إذا كان منطبقا على الواقع أم غير منطبق .. الأهم أن يتسق البناء المنطقي مع نفسه .. معطيات القضية مع تواليها .. فرضياتها مع نتائجها….

فإذا كان حديثنا عن الرياضيات وتطبيقاتها في الحياة ، فإننا نتحدث عن حجر الزاوية في التقدم العلمي والتقني ، لأن تطبيقات الرياضيات في الحياة تطرح فكرة الجانب الإنساني لها ، حيث أصبحت هذه التطبيقات شيئا أساسيا في الرياضيات ليصبح تعليمها ذا معنى ، وبذا يقبل التلاميذ على تعلمها وتنمى ميولهم نحوها وتدفعهم على مواجهة مشكلاتهم الحياتية .

ومن تطبيقات الرياضيات (النمذجة ) التي تعتمد على تحويل الموقف موضع الدراسة إلى مشكلة رياضية ثم حل هذه المسألة واختبار صحة الحل في هذا الموقف ثم الخروج بتنبؤات وتعميمات ومفاهيم جديدة ، فالرياضيات وتطبيقاتها الحياتية ليستا شيئين منفصلين ، حيث أن التعلم الأصيل هو التعلم الذي يوجد علاقة بين ما يتعلمه التلاميذ وبين ما يجدونه في حياتهم اليومية .

لذا ينبغي أن تشكل تطبيقات المعرفة الرياضية جانبا محوريا في المناهج في جميع مراحل التعليم العام وذلك حتى يواكب التعليم التطورات المعرفية الحديثة من تناول المعرفة بصورة متكاملة وهذا ما ينبه إلى إتباع طرق غير تقليدية في التدريس مثل ( التعلم الذاتي ، العصف الذهني ، العمل الجماعي والبحث التربوي والحوار والمناقشة ) .

وفيما يلي عرض لكيفية إدخال تطبيقات الرياضيات في المناهج المقررة :

  1. دمج التطبيقات الرياضية في المنهج الموجود ، حيث تدرس الأفكار الرياضية وتطبيقاتها في العلوم المختلفة ، بحيث تقدم أمثلة تطبيقية تتضمن مواقف حياتية مع كل مفهوم رياضي وهذا يظهر بوضوح العلاقة بين الرياضيات والعلوم الأخرى بشكل مباشر وهذا يتطلب وجود المعلم المؤهل الذي يمتلك معلومات متصلة بمجالات التطبيق كالعلوم والهندسة والبيولوجي والاقتصاد وغيرها من المعلومات المتنوعة ، كما يتطلب تنسيقا بين معلم الرياضيات وغيره من معلمي المواد الأخرى .
  2. إبراز تطبيقات الرياضيات من خلال الدراسة وإجراء مشروعات تتضمن رياضيات تطبيقية ، ويتضمن ذلك الإكثار من التطبيقات فى مناهج الرياضيات وتناولها فى سياقات تؤكد أهميتها .
  3. إعادة بناء مناهج الرياضيات على أساس العمليات الرياضية  (Processes)، وليس علي أساس موضوعات رياضية  (Topics)، وفي هذه الحالة سيتمحور التدريس حول ما يسمي بالترييض  (Mathematization)، ويكون الاهتمام منصباً على عمليات مثل المقارنة والتصنيف والترتيب والتجريد والترميز والتعميم …. والتي تقع تحت المفهوم العام للترييض أو إتاحة الفرصة للمتعلمين للتعبير عما يحيط بهم وعن مشكلاتهم رياضياً. وقد يعني هذا الاعتماد في بعض المناهج المدرسية على النمذجة والنماذج الرياضية، بحيث تصبح أسلوب تفكير في قضايا علمية واجتماعية وحياتية، وتصبح تقنية عامة يفاد منها في مقررات دراسية أخري، وذلك ليتعلم الطلاب كيف يبدءون من الواقع، وكيف يبحثون عن ارتباطات منطقية بين الأحداث وأسبابها.
  4. تقديم مقرر منفصل عن تطبيقات الرياضيات، ومثل هذا المقرر يناسب المستويات العليا (الجامعية(، ويقوم بتدريس التطبيقات متخصصون في المواد العلمية المتعلمة. ويعاب على هذا المدخل انفصال التطبيقات عن المادة العلمية المتعلمة.

 فتطبيقات الرياضيات متعددة ومتنوعة، لدرجة أنها أصبحت إحدى المشكلات التي تواجه واضعي مناهج الرياضيات وهي كيفية احتواء هذا الكم الهائل من التطبيقات في مناهج التعليم، مع العلم أن تدريسها ليس بالأمر السهل، وإنما يحتاج إلي دراسة واعية وفهم للرياضيات وتطبيقاتها، ومعرفة دقيقة في العلوم الأخرى وحتى يتم ذلك، لا بد من مراعاة بعض الأمور منها:

  1. أن تكون هذه التطبيقات مرتبطة بالواقع الثقافي والبيئي الذي يهم الطالب، وذلك للتدرب على ترجمة هذه المواقف إلي صيغ رياضية، ثم يتعامل معها رياضياً، ويفسر النتائج في ضوء الواقع.
  2. أن تكون مصادر التطبيقات الرياضية مثل الكتب، والدوريات، والصحف، والمجلات، ووسائل الإعلام، والمشكلات الحياتية، متاحة ويسهل حصول المعلم والطالب عليها.
  3. أن يكون لدى مخططي المناهج، المعلومات عن التطبيقات الممكنة للرياضيات في الرياضيات نفسها، وفي العلوم الأخرى وفي الحياة المحيطة بنا، حتى يمكن اختيار المفاهيم والتراكيب والمهارات التي يحتاجها الطلاب، كما أن معرفة التطبيقات تساعد على تحديد موقع الموضوع في المنهج، وتوافقه مع دراسة موضوعات العلوم الأخرى.
  4. أن يتم توفير التجهيزات التي تتطلبها التطبيقات مثل المعامل، والأفلام … وغيرها من الوسائط التعليمية، وأن يكون هناك تناسق بين ما هو موجود في الكتاب المدرسي وما هو موجود في الحياة الواقعية.
  5. أن تناسب التطبيقات مستوى الطالب؛ أي تلاءم جهده وسنه واستعداده وخبرته وميوله، وتسعى إلى تنميتها، سواء أكانت هذه مشكلات فعلية أم مسائل إبداعية، وذلك لتعويده على حل المشكلات المدرسية حتى يتدرج منها إلى مواجهة المشكلات العامة، والمسائل الاجتماعية والاقتصادية، وهذا يؤدى إلى إخراج الرياضيات المدرسية من تجريداتها الصماء بطريقة أو بأخرى، لتصبح لغة تعبير وتفاهم حول كل ما يحيط بالطالب من قضايا ومشكلات، ولكي يصبح تدريس الرياضيات انعكاساً لمتطلبات الإنتاج وحاجات المجتمعات إلى التطور الذاتي.